الجوع يطوق السودان.. الموت يحاصر قوافل الإغاثة والعائلات تبحث عن حبة قمح
الجوع يطوق السودان.. الموت يحاصر قوافل الإغاثة والعائلات تبحث عن حبة قمح
في بلدة صغيرة على أطراف ولاية شمال دارفور، جلست "مريم" البالغة من العمر 43 عامًا أمام قدر يغلي بالكاد، تحاول أن تصنع منه ما يكفي لإطعام أطفالها الخمسة.
تقول مريم بصوت أنهكه الجوع واليأس: "نمزج بقايا الذرة بالماء ونضيف القليل من الملح، هذا هو عشاؤنا منذ أسابيع"، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.
مريم، مثل ملايين السودانيين، تواجه معركة يومية للبقاء، وسط حرب شرسة أحرقت الأرض، وأغلقت السماء، وأطفأت كل أمل في النجاة.
الطرقات تنقطع.. والمخازن تنهب
منذ منتصف أبريل 2023، تتصاعد المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لتتحول المدن والقرى إلى ساحات معارك، وتدفع ثمنها العائلات الهاربة من رعب الرصاص والدمار.
وفي تقرير صدر الأربعاء عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، حذّر المتحدث باسم المكتب من أن مدينة كادوقلي عاصمة جنوب كردفان باتت محاصرة ومعزولة، بعد قطع آخر طريق إمداد قادم من شمال كردفان.
وأوضح أن الاشتباكات المتواصلة لم تعد فقط تهدد حياة المدنيين، بل تطول الأسواق نفسها، إذ تُهاجم مجموعات مسلحة مخازن الغذاء في محاولة للسيطرة عليها.
"يتم نهب القوت قبل أن يصل إلى الجياع"، هكذا قال المتحدث، مشيرًا إلى أن الوضع في كادوقلي يعكس أزمة أعمق تعصف بالبلاد.
الأمطار لا تجلب الحياة
في غرب دارفور، أصبحت الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة تهديدًا إضافيًا، فالطرق التي كانت تربط مدينة الجنينة بمناطق مثل مورني وزالنجي في وسط دارفور، صارت غير سالكة. هذه المدن، التي تستضيف آلاف النازحين، تجد نفسها الآن معزولة أكثر من أي وقت مضى.
"إذا استمر هطول الأمطار، فسنخسر القدرة على الوصول إلى ولايتي وسط وجنوب دارفور"، أكد المسؤول في "أوتشا"، لافتًا إلى أن الوقت ينفد أمام العائلات المحاصرة في معسكرات النزوح.
ورغم كل هذا السواد، تبرز ومضات ضوء في أماكن غير متوقعة. ففي بلدة طويلة، اجتمع نازحون وسكان محليون لإنشاء مطابخ مجتمعية تطهو للمحتاجين.
آلاف الفارين من العنف في الفاشر يجدون في هذه المطابخ ما يسد رمقهم.. لكنها مبادرات تقاوم الانهيار، بسبب نقص التمويل والموارد، وبعضها يوشك على الإغلاق.
"هي شريان حياة للمحرومين من الطعام"، قال المتحدث الأممي، "لكن هذا الشريان بات ضعيفًا للغاية".
الجوع بات سلاحاً
ولم يقتصر الأمر على الجوع وحده، بل باتت الطرق مملوءة بالحواجز، والبيروقراطية تعيق إيصال المساعدات، وفرض الضرائب ونقاط التفتيش تزيد المشهد قتامة.
"الوصول إلى المتضررين يزداد تعقيدًا كل يوم"، يقول المتحدث، مناشدًا المجتمع الدولي لتوفير تمويل عاجل، وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات دون عوائق.
السكان على حافة الجوع
وفي إحصائية قاتمة، أكدت شبكة تصنيف انعدام الأمن الغذائي أن نصف سكان السودان -أكثر من 7.07 مليون شخص- يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن بينهم أكثر من 83 ألفًا في حالة جوع كارثي تهدد حياتهم يوميًا.
"الناس يموتون في صمت"، هكذا قال المدير التنفيذي للشبكة، مضيفًا: "معاناة السودان لا تتصدر العناوين، لكن هناك ملايين الأمهات والآباء والأطفال يخوضون حرباً لا هوادة فيها من أجل البقاء".
وسط هذا المشهد الكارثي، يغيب صوت العالم. تتضاءل المساعدات، وتخفت أضواء التغطية الإعلامية، وكأن معاناة السودانيين تُدار في الظل، لا أحد يسمع صرخات الجوعى، ولا أحد يستجيب لنداء الموت القادم من عمق القرى المنسية.